سورة التوبة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} وذلك أنهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكلة أطعمهم إياها أبو سفيان. قال مجاهد: أطعم أبو سفيان حلفاءه، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} فمنعوا الناس من الدخول في دين الله. وقال ابن عباس رضي الله عنه: وذلك أن أهل الطائف أمدُّوهم بالأموال ليقووهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، {إِنَّهُمْ سَاءَ} بئس {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
{لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً} يقول: لا تبقوا عليهم أيها المؤمنون كما لا يُبْقون عليكم لو ظهروا، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} بنقض العهد.
{فَإِنْ تَابُوا} من الشرك، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ} أي: فهم إخوانكم، {فِي الدِّينِ} لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، {وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ} ونبين الآيات {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قال ابن عباس: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة. قال ابن مسعود: أمرتهم بالصلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله»؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح صدرَ أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا ابن المهدي، حدثنا منصور بن سعد عن ميمون بن سِِيَاهٍ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا: فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله».


قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} نقضوا عهودهم، {مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} عقدهم، يعني: مشركي قريش، {وَطَعَنُوا} قدحوا {فِي دِينِكُمْ} عابوه. فهذا دليل على أن الذمي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} قرأ أهل الكوفة والشام: {أئمة} بهمزتين حيث كان، وقرأ الباقون بتليين الهمزة الثانية. وأئمة الكفر: رؤوس المشركين وقادتهم من أهل مكة.
قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب، وأبي جهل بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وسائر رؤساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد، وهم الذين همُّوا بإخراج الرسول وقال مجاهد: هم أهل فارس والروم.
وقال حذيفة بن اليمان: ما قُوتِل أهل هذه الآية ولم يأت أهلها بعد {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} أي: لا عهود لهم، جمع يمين. قال قطرب: لا وفاء لهم بالعهد. وقرأ ابن عامر: {لا إيمان لهم} بكسر الألف، أي: لا تصديق لهم ولا دين لهم. وقيل: هو من الأمان، أي لا تؤمنوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} أي: لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم. وقيل: عن الكفر.


ثم حض المسلمين على القتال، فقال جل ذكره: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} نقضوا عهودهم، وهم الذين نقضوا عهد الصلح بالحديبية وأعانوا بني بكر على قتال خزاعة. {وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة، {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ} بالقتال، {أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني: يوم بدر، وذلك أنهم قالوا حين سَلِمَ العير: لا ننصرف حتى نستأصل محمدا وأصحابه.
وقال جماعة من المفسرين: أراد أنهم بدؤوا بقتال خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{أَتَخْشَوْنَهُمْ} أتخافونهم فتتركون قتالهم؟ {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} في ترك قتالهم، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} يقتلهم الله بأيديكم، {وَيُخْزِهِمْ} ويذلهم بالأسر والقهر، {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ} ويبرئ داء قلوب قوم، {مُؤْمِنِينَ} مما كانوا ينالونه من الأذى منهم. وقال مجاهد والسدي: أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعانت قريش بني بكر عليهم، حتى نكؤوا فيهم فشفى الله صدورهم من بني بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين.
{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} كربها ووَجْدَها بمعونة قريش بكرا عليهم، ثم قال مستأنفًا: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فيهديه إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «ارفعوا السيف إلا خزاعة من بني بكر إلى العصر».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8